منذ أن دخل رسول الله ( ص ) المدينة المنوّرة ، كان دائباً على هدم أركان الجاهلية ، و استئصال جذورها، و ضرب مواقعها ، فكانت حياته في المدينة المنوّرة ، كما كانت في مكّة حياة جهاد و بناء ، جهاد المشركين و المنافقين و اليهود و الصليبيين ، و بناء الدولة الإسلامية العظيمة ، و نشر الدعوة ، و تبليغها في كلّ بقعة .
لقد مرّت هذه الفترة الجهادية الصعبة بكامل ظروفها و أبعادها بفاطمة ( ع ) ، و هي تعيش في كنف زوجها و أبيها ، تعيش بروحها و مشاعرها ، و بجهادها في بيتها ، و في مواساتها و مشاركتها لأبيها ، في شدّته و محنته ، فقد شهدت جهاد أبيها و صبره و احتماله ، شاهدته ، و هو يُجرح في ( أُحد ) ، و تُكسر رباعيته ، و يخذله المنافقون ، و يستشهد عمّ أبيها ، حمزة أسد الله و نخبة من المؤمنين معه .
روي ، أنّه لمّا انتهت فاطمة ( ع ) وصفية إلى رسول الله ( ص ) ـ بعد معركة أُحد ـ و نظرتا إليه قال ( ص ) لعلي ( ع ) : ( أمّا عمّتي فاحبسها عنّي ، و أمّا فاطمة فدعها ) ، فلمّا دنت فاطمة ( عليها السلام ) من رسول الله ( ص ) ، و رأته قد شُجّ وجهه ، و أُدمي فوه ، صاحت ، و جعلت تمسح الدم ، و تقول : ( اشتدّ غضب الله على مَنْ أدمى وجه رسول الله ( ص )) ، و كان ( ص ) يتناول في يده ما يسيل من الدم، فيرميه في الهواء ، فلا يتراجع منه شيء .
و كانت فاطمة الزهراء ( ع ) تحاول تضميد جرح رسول الله ( ص ) ، و قطع الدم الذي كان ينزف من جسده الشريف ، فكان زوجها يصبّ الماء على جرح رسول الله ( ص ) ، و هي تغسله ، و لما يئست من انقطاع الدم ، أخذت قطعة حصير ، و أحرقتها حتّى صار رماداً، فذرّته على الجرح حتّى انقطع دمه .