من هو المربّي ؟
المربّي الأوّل في العالم التكويني ، وفي الطبيعة وما وراءها هو الله سبحانه ، فهو ربّ العالمين ، وقد وردت كلمة الربّ ومشتقّاتها في القرآن الكريم في ( 980 ) مورداً .
جمع القرآن الكريم علم الأوّلين والآخرين ، فهو الجامع لما في الكتب السماوية وفي الأديان الإلهيّة ، فهو الكتاب المهيمن على الكتب السماوية والأرضيّة ، فإنّه الجامع لكلّ العلوم والمعارف وما عند الأوّلين والآخرين .
ثمّ جمع ما في القرآن في سورة الحمد ، وتصدّرت السورة بقوله تعالى : ( الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ )([27]) ، فوصف الله نفسه بالربوبيّة ، فهو المربّي الأوّل لكلّ العوالم العلوية والسفليّة ، المجرّدات والماديّات ، ورعاية لقانون العلّية الحاكم على الكون الرحب الوسيع جعل الله سبحانه ( فَالمُدَبِّرَاتِ أمْراً )([28]) ، فكانت العلل والمعاليل ويسودها قانون التربية ، كلّ ذلك برحمته الرحمانيّة والرحيميّة .
ثمّ تجلّت التربية الإلهيّة بحمل العلم الإلهي في الأنبياء (عليهم السلام) فإنّهم مظاهر التربية الإلهية فقد بعثهم الله لتربية الناس وهدايتهم وإقامة العدل والقسط ، فكانالنبيّ مظهراً لمقام الربوبيّة ، والعبودية جوهرة كنهها الربوبيّة ، فكان النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين ، عبد الله ورسوله .
ثمّ بعد الأنبياء كان الأوصياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام) في خطّهم ونهجهم وهديهم ، فكانوا مظاهر التربية الإلهية والنبويّة ، واُلقي على عاتقهم مسؤولية تربية المجتمع وصيانة الإنسان وتهذيبه .
ثمّ بعدهم العلماء ، فهم ورثة الأنبياء والأوصياء في علومهم وأخلاقهم ومسؤولياتهم ومقاماتهم العامّة ، فإنّهم بحكم الوراثة حملوا على عواتقهم مسؤولية تربية الإنسان ، فبعد أن هذّبوا أنفسهم وزكّوها ، وأفلحوا وأصلحوا بواطنهم ، وبدأوا بأنفسهم في مقام التهذيب والتربية والتعليم حتّى بلغوا المقام السامي في العلم النافع والعمل الصالح ، بعد أن أكملوا أنفسهم خرجوا إلى الناس ودعوهم إلى ما يحييهم ، فتكفّلوا تربيتهم تربية صحيحة وسليمة .
وبحكم العلماء الصالحين : الآباء والاُمّهات ، فإنّهم من المربّين في نطاق الاُسرة ، كما أنّ المعلّم منهم في نطاق المدرسة ومجال التعليم ، وكذلك الأصناف والطبقات الاُخرى لا بدّ أن يكون فيهم مربّياً ومعلّماً ، وهذا من سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تحويلا ولا تبديلا .
فهؤلاء كلّهم مظاهر ربّ العالمين في مقام التربية ، فما به الاشتراك بينهم عنوان التربية الإنسانية ، ويمتازون في سعة دائرتها وضيقها ، وباعتبار اتجاه التربية وعوالمها ومعالمها .
وفي علم المنطق إنّ المسائل النظريّة لا بدّ أن تنتهي إلى البديهيات ، وهي الذاتيات ، وإنّ الذاتي لا يعلّل ، ولولا ذلك للزم الدور والتسلسل الباطلان كما هو ثابت في محلّه ، فالعلوم النظرية تنتهي إلى مقدّمات بديهيّة ذاتية . كذلك التربية والمربّين ، فإنّها تنتهي إلى التربية الذاتية وهي التربية الإلهيّة التي تنبع من الذات الربوبية جلّ جلاله ، والأبوان المربّيان يرجعان إلى العلماء في تربية أنفسهما ، والعلماء إلى الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين يحملون التربية الذاتية ، فإنّهم يرجعون إلى الله ربّ العالمين ، وهو المربّي الأوّل ، فتتجلّى تربيته التكوينية والتشريعية في خلقه ، وفي الأنبياء والعلماء والآباء والاُمّهات . فالتربية العرضية الكسبية حينئذ تنتهي إلى التربية الذاتية الثابتة ، فتدبّر .
أقسام التربية :
يمكن أن نقسّم التربية باعتبار المتكفّل والمربّي وباعتبار الموارد والمجالات إلى تقسيمات عديدة ، فإذا كان المربّي رجل الدين وميدان التربية أحكام الدين في اُصوله وفروعه وأخلاقه ، فإنّ ما يحصل من ذلك تسمّى بالتربية الدينية والتربية الشرعيّة .
وإذا كان المتكفّل هو العالم ، وموردها العلم فإنّها تسمّى بالتربية العلمية ، وإذا كان المقصود تربية البدن بألعاب رياضية ، تسمّى التربية الرياضية ، والتربية البدنية . وكذلك في عالم الفنّ ، تسمّى بالتربية الفنّية ، وفي مجال الأخلاق تسمّى بالتربية الأخلاقية . وهكذا في كلّ العلوم والفنون والمجالات العلمية والعملية ، فيعلم عنوان التربية من خلال الإضافة .
متعلّقات التربية :
باعتبار ما يكون قابلا للتربية وهو ما فيه الحياة ، وهي الحياة النباتية والحيوانية والإنسانية ، فالتربية عند الفلاّح أو الزارع أن يبذل جهده من أجل تربية زرعه ، من اليوم الأوّل عندما يحرث الأرض وينقّيها ، ثمّ يزرع الحبوب ويباريها ، بالفلاحة والسقاية والمعالجة ، وحتّى يوم الحصاد وقطف الثمار ، فما فعله في عالم النباتات تسمّى بالتربية النباتية .
وسائس الخيول ومربّيهم ، وكذلك الحيوانات الاُخرى يسمّى عملهم بالتربية الحيوانية . ومعلّم الأولاد وما يفعله الآباء والاُمّهات في مجال التربية يسمّى بالتربية الإنسانية وبتربية الإنسان . وإذا نسب إلى الله سبحانه يسمّى بالتربية الإلهيّة ، كما قال النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) : أدّبني ربّي فأحسن تأديبي .
__________________
[