البداية باصطحاب الأب له عند أداء الصلوات الخمس بالمسجد
- دور الأم أن تشجع أبناءها بجميع الوسائل على حب بيت الله
تحقيق: وفاء محمد
حتى لا يضيق صدر الأم بأبنائها، بمجرد أن تأتي الإجازة الصيفية، لأنها لا تستطيع أن تملأ حياتهم بالعمل أو العلم النافع، فلماذا لا تعودهم على الذهاب إلى المساجد لأداء الصلاة، وحضور دروس العلم، وحفظ القرآن الكريم، بدلاً من الشجار والملل في البيت أو اللعب والانحراف في الشارع؟! هذا ما نتناوله في التحقيق التالي.
لماذا ينفرون؟
"هالة" أم لولدين وبنتين، ينفر ولداها من الذهاب إلى المسجد في الإجازة الصيفية؛ نظرًا لسوء معاملة القائمين على تعليم الصبيان، أما البنتان فتحبان المواظبة على حلقات تحفيظ القرآن ودروس البنات بالمسجد، وقد حاولت تغيير المسجد أكثر من مرة إلا أنها وجدت نفس المشكلة، البنات يجدن الاهتمام والرعاية من المعلمة والصبيان ينفرون من معاملة معلمهم.
"حنان" ترى أن الطفل لا بد يجد وسائل أخرى تشغله يشتاق إلى المسجد، فالطفل في القرية يرتاد المسجد أكثر من مرة، وترى أن هناك أكثر من مجموعة عوامل تجعل الطفل يكره الذهاب إلى المسجد، أهمها عدم اصطحاب أبيه له عند أداء الصلوات الخمس بالمسجد، فالصلاة في المسجد مسئولية الأب، وهذا النموذج يكاد يكون غير موجود في بيوتنا إما لاشتغال الأب في عمله أو لعدم اهتمامه، ففي الريف يشتري الأب لابنه جلبابًا أبيض في الرابعة من عمره، ويذكره ويصحبه كل صلاة فيذهب إلى المسجد ويرتبط به وينتظر الوقت الذي يذهب إليه، إلى جانب أن طفل الريف يجد وسائل ترفيه، فابني عندما لم يكن عندنا تليفزيون كان الجيران يسمونه حمامة المسجد؛ إذ لم تكن هناك وسائل أخرى تشغله فكان يشتاق إلى المسجد ويشعر باستمتاع في الذهاب إليه، وللأسف لا توجد وسائل في المسجد تجذبه، لذا كنت أزجره لكي يذهب إلى المسجد ويرفض بنفس إحساسه تجاه المدرسة، فلماذا لا توجد أنشطة مشوقة كالحفلات والرحلات واليوم الرياضي وتقديم وجبات وحلوى حتى نُرغب الأطفال في المسجد؟.
محمود هاشم أب لخمسة أولاد 3 ذكور و2 من الإناث، 3 منهم في كليات الطب والصيدلة واثنان في التعليم الإعدادي والثانوي، وقد بدأ وزوجته مع الأبناء منذ نطقهم بترديد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أمامهم، ومنها الآيات التي تأمر بالصلاة، ومن هنا بدأوا في ارتياد المسجد في الخامسة من عمرهم طوال العمر، إذ كانت أمهم تشجعهم على الصلاة في المسجد، بل كانت تذهب لحضور دروس العلم، فحفظوا جميعًا القرآن في العاشرة من عمرهم على أيدي عددٍ من المشايخ بالمسجد.
أما الابن الثاني محمود فقد فاز في الحادية عشرة من عمره بالمركز الأول على العالم الإسلامي في حفظ القرآن الكريم، والآن هو طالب بكلية الصيدلة، ويدرس القراءات العشر ويحفظ الأولاد في حلقات تحفيظ القرآن الكريم.
مسئولية الأبوين
من جهته، يرى الدكتور محمد المختار المهدي- رئيس الجمعية الشرعية- أن تعويد الطفل ارتياد المسجد مسئولية الآباء والأمهات لقوله صلى الله عليه وسلم : "مروا أولادكم لسبع".. ومعروف أن الصلاة بالمسجد خاصة في الإجازة الصيفية، لا بد من شغل أوقات الأولاد بما يفيدهم، وأن نعلمه أنه محاسب على عمره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسًا قبل خمس : حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وشبابك قبل هرمك"، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "بادروا بالأعمال سبعًا هل تنتظرون إلا موتًا مجهزًا أو هرمًا مفندًا أو مرضًا مقعدًا أو غنى مطغيًا أو فقرًا منسيًا أو الدجال فشر غائب يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر".
فلابد من تعويد الأولاد على ألا تضيع الفرص هباء، وأن فترة الشباب فترة توقُّد للذهن، واحتياج إلى العلم، كما أن تعويض ما لم يحصله في أثناء الدراسة شيءٌ مطلوب في الكمال النفسي والحياة السوية في المستقبل.
وأضاف أن القرآن الكريم عندما تكلم عن المساجد وضعها في إطار مبعث النور في قلب المؤمنين، فقال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (النور:35).
ثم قال تعالى في النهاية : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40)، فربط بين نور القلب ووجوده في المسجد، باعتباره النور الحقيقي، فليس بعده نور.
فعلى الأب والأم تشجيعَ الأولاد بأن يكونا قدوة لهم، فالأولاد الذين يحصلون على جوائز في مسابقات القرآن الكريم بسؤالهم نجد أن آباءهم وأمهاتهم حرصوا على اصطحابهم إلى المسجد وتعويدهم على ارتياده وحضور حلقات العلم وحفظ القرآن، وعلى القائمين على شئون المسجد أن يعاملوا الأطفال بهدوء ولين وبشاشة حتى يرغبوهم في الذهاب إليه.
قدوة الطفل
وفي السياق نفسه، يقول عمر عبد الحميد رئيس مجلس إدارة أحد المساجد : دور الأهل مهم، فكما أنهم يحرصون على اقتناء أولادهم للكرة، فيجب أن يحرصوا بالدرجة نفسها وأشدّ على اصطحابهم إلى المسجد.. لكننا نرى الكرة مسيطرة تمامًا على اهتمام بعض الأولاد فتجدهم يلعبون أمام المسجد والصلاة مقامة ولا يدخلون لأدائها!
أيضًا المدارس يجد الطفل فيها مكانًا لكل الأنشطة إلا المسجد، في الماضي كان لابد أن يوجد بكل مدرسة مسجد أو مصلى فيتعود الطفل ارتياد المسجد، والأسرة دورها أساسي ففي المسجد تجد الأولاد الملتزمين بالصلاة وحلقات العلم والتحفيظ آباؤهم ملتزمون بالصلاة في المسجد، ونادرًا ما تجد طفلاً يرتاد المسجد دون أبيه، كما أن الأم أيضًا قدوة لبناتها لذا تجد بناتها يحرصن على الذهاب إلى المسجد.
دور الأم
ويرى الدكتور حاتم آدم- استشاري الصحة النفسية- أن ارتياد الطفل للمسجد قضية الأم فعليها أن تشجعه بكل ما تملك من وسائل، كما أن كل أم أدرى بما يرغب فيه طفلها، بحيث يشعر الطفل بأن هذا الأمر مصدر إعجاب والدته، ومطلوب من الأم أن تكون قضية حياتها ارتياد أولادها المسجد وحفظهم القرآن.
ويناشد الدكتور حاتم المسئولين عن المساجد بأن يهتموا بالأطفال؛ فلا يضربوهم أو يروعوهم، وألا يكون المسجد حلقة تحفيظ ودرس علم فقط، بل نضيف نشاطات أخرى إليه تجذب الأطفال مثل الانترنت والألعاب والفيديو؛ لأن هذا سيجعل الطفل يرغب في البقاء بالمسجد طول اليوم، وكذلك أن تُجرى مسابقات لحفظ القرآن الكريم، وتُعطى جوائز لكل المتقدمين بترتيب حفظهم.
روح الأم لسيد قطب
يقول سيد قطب يرحمه الله في كتابه :"طفل في القرية" إن أمه كانت تصحبه وإخوانه إلى المسجد وتقف خلف الستار وتأمره بالصمت، ويرى في عينيها التعلق بكلام الشيخ وحب الدين، فسرت في نفسه هذه الروح ولقط من أمه تعبيرات وجهها واهتمامها وحب الدين والتعلق به، وقد نجحت في تحفيظه وإخوانه القرآن الكريم كاملاً، ونجحت في تربيتهم هم الأربعة، وهم : حميدة وأمنية وسيد ومحمد.
ويضيف- يرحمه الله- : أما الأم المستهترة التي تضع دماغها في أهلها وجيرانها وأهل زوجها وتهمل أولادها فلا تشغل أوقاتهم فيما يفيدهم.